من مجموعة قبور الشّهوة، دار الفارابي، 2014
!لا أستطيعُ أن أبغِضَك
..عينايَ مِرآةٌ توراتيّة، وشفتايَ مَذبَحٌ وَثنيّ، وفؤادي نارٌ غريبَة
!لا أستطيعُ أن أبغِضَك
رُؤايَ عَصفٌ في غمارِ الهُروب، ووجهُكَ مُوَيجاتٌ صَاخِبةٌ جَاثمَةٌ مُتشابحَة! والأناملُ رَشقُ رذاذٍ يُقدّسُ شَعريَ الأشقرَ حيناً ويُنجِّسُهُ أحايينَ أخرى، ولا أستطيعُ أن أبغِضَك
بالأمسِ راشقتُ أجنِحةَ المَساءِ عَنك. وفي الصَّباحِ صَحَوتُ على نقرٍ عَنيفٍ لعُصفورٍ شريدٍ قربَ زجاجِ النافِذة. رَقصَ رقصَةً واحِدةً، رمَاديّة أخيريَّة، ثمَّ توارَى بينَ الغصُون
بالأمسِ هاجَستُ الحَصَى والتّرابَ الحَميمَ عَنك، فما سَمِعتُ غيرَ الذّهول! بيدَ أنَّ عاشِقينِ عَابثينِ استحَالا.. ومَلآ الجِواءَ شدواً وضِحكاً.. ثمَّ كمَلاكينِ تلاشيَا. وتعلّقتْ دمُوعي بضِحكِهما كحِبالِ الغريم. وخفقَتْ وَحدَتي كالعَزاءِ السّجين
بالأمسِ سَاجلتُ المَواعيدَ واللّيالي.. فمَجّتني أشداقُ الحَيرَةِ المَجنونةِ عِندَ شاطئِ الحَتميّةِ القفيْرْ، ولم تترُكْ لي نسْغاً لبُعدِ الواقعِ المتكابر
!نعَم حَبيبي، لا أستطيعُ أن أبغِضَك
لا تكرَهُ الأمُّ سَاعةَ المَخاض، ولا الانتِحاريُّ لحظةَ الاستشهاد، ولا يَمقتُ المَسيحُ حامِلاً عودَ الصّليب
لا أحمِلُ في جُعبتي غيرَ الحُبّ
أحشائي قبضَةٌ منَ المَحَبّةِ وأنا هيكلٌ منَ الدّمُوع. وكذا الماسُ قلبٌ منَ الرّملِ وثوبٌ منَ السِّحر
لا يَجرَحْكَ وَخزُ المُعاندَة. عِنادي أخيِلةُ غرورِكَ، ودَلالي آثارُ خَطوِكَ، وتمنُّعي مياهٌ صَافيةٌ حيثُ نبَتتْ زهرةُ النّرجسِ المَشؤومَة
أنتَ بيدِكَ أطعَمْتني من شجَرةِ الدّمعِ والابتِسام. ومن حينِها أبكي وأضحَكُ كالحُزنِ والفرَح! فأنا جاهِلةٌ هُويّتي: أظلامٌ زَهيٌّ هيَ أم نورٌ حَزين؟
لا أقدِرُ أن أبغِضَك لأنّكَ حَقيقةٌ خُرافيّة في دَفترِ تزامُناتي، وجَبّارٌ طفوليّ في خِزانةِ تشابُكاتي، لأنّكَ عَجُوزٌ في مَهَبِّ الرّبيع.. تحمِلُ عُكّازَكَ الغرائبيّ وتمسَخُ فراشاتِ الفجرِ أقواساً منَ المَغيب
أخشى إذا شَربتُ من كأسِكَ أن تتحطَّمَ الكأس..! أنا جَوهرٌ توَرَّمَ حتى تمَزّقَ الشّكل. أحتاجُكَ تحمِلُ نِصفَ دَواخلي وتعدو على الدّروبِ القفصِيّةِ لترسُمَ وجهاً خريفيّاً في نِهايةِ المَخاف
تكبّرْ.. تمَرَّدْ.. وغنِّ فلنْ أبْغِضَكَ إذا عَثرتُ في قبوِ شحُوبِكَ على قِنديلٍ غبيْرٍ… حُشِرَتْ فيهِ كلِمَاتٌ ورُؤىً كثيرةٌ، زمَانيّة، لن تمْشِيَ فوقَ التّرابِ بغيرِ نغمَاتِ شَوَاعِلي المُعلّقة
،لا أستطيعُ أن أبغِضَك
.لأنّي أحِبُّكَ
١٩/٣/٢٠٠٣