وخيرُ جليسٍ في الزمانِ كتابُ

من مجموعة قبور الشّهوة، عن دار الفارابي، 2014

من مجموعة قبور الشّهوة، عن دار الفارابي، 2014

    ! نارٌ

نارٌ لا تعرفُ التُخمةَ أوِ القرَف

نارٌ منَ الدّاخلِ وفي الخارجِ نارٌ أيضاً

.نارٌ من فوقُ ونارٌ مِن تحت

يَتراشقُ السّلبُ والإيجابُ بلا رؤيا أو رؤية! والمِسخانِ الجَميلانِ هُما العَبثيّةُ والانتِظام

   البدائيّةُ والتّكامُلُ في نفقِ الغليانِ الدّاخِليِّ المُتخارجِ نحوَ الوقوف، والمُتداورِ على ذاتِهِ

أنا نارٌ تحرِقُ نفسَها والآخرونَ النقيض! ربّما لأنّ ضَوئِي مُتشامِخٌ، أو قناديلي تأبى الاستِشهادَ إلاَّ في الشّوارعِ الفقيرَة

!إنَّ الحبلَ طويلٌ جدّاً ولا نِهايةَ له، وهذه البئرُ كم هيَ عَميقة! آهٍ… أنا لا أبصِرُ لها قعراً، ولقد رََمَيتُ وَجهي فيها ولم أسمَعْ صَوتَ !!اصطِدام

   نارٌ تجُرُّ النّاسَ بذيلِها في طريقِها المَزعومَة، فكأنّما هو شَيءٌ حَطّمَ الإناءَ النّحاسِيَّ الصَّغيرَ وَراحَ يَطفرُ بعَدَ أسْرٍ طويل. وهيَ تشدُّ سيزيفَ إلى القمَّةِ ثمَّ تهوي بهِ إلى القاعِ الفارِغ

   هيَ بحارٌ وصَحارٍ، مَغاورُ وبَرارٍ، لأنَّ التاريْخَ سَافرَ بنا إلى الجِواءِ الأوّلي. في الشّوارعِ تذبَحُهم نارٌ كهرَبائيّة، وفي القصُورِ نارٌ فاجرةٌ عَاهِرة، وفي أمكنةٍ أخرى نارٌ مِن صَنفٍ آخر

     آهٍ! متى يَنتهي الدَّوَرانُ في بيتِ السِّجْن؟ ومَتى خِتامُ الفصُول؟

   تُرَى مَتى يَنتهي زَحفُ النّارِ المَغوليّة؟ مَتى نَعثرُ على المَاسِ المُخبّأِ في البُستانِ الخزفيّ، ومَتى كمَالُ الصّورَة؟

   مَتى نقبضُ بأصَابعِنا أنفاسَ العَجوزِ الخَبيثِ الذي يَمشي في دِمَائنا ناراً بُركانيّة؟ مَتى تنسَى الخُدودُ الجُفونَ فوقَ وِهادِ المآسِي الكوميديّة؟ مَتى نكفُّ عَن نثرِ الهَوامِشِ نجُوماً بينَ الأفلاك، ودَفنِ القلوبِ في أحشاءِ الأرْض؟ ومَتى نطبَعُ النّارَ مَشهداً سَرَابيّاً عِندَ التخوم؟

   عِندَ الفجرِ تقذفني مِنَ الفِراشِ لكمَةٌ مِنَ الذّهولِ والترَدُّد، وعِندَما أتلمَّسُ الحَقيقةَ وأسلِّمُ قدَمَيَّ لِسُلطانِ الاتّجَاهِ المَكتوب، تنتابُني نوْبَاتُ التفرُّغِ والانجِراد، فتصمُتُ صَرَخاتٌ في أعماقي بقوَّةٍ.. وتعُودُ الثواني إلى الرَّحِيلِ التقليدِيّ

   …تِلكَ هيَ النّارُ التي لا تشعُرُ بالتُخمَةِ أوِ القرَف

نارٌ مِنَ الدّاخِلِ وفي الخَارجِ نارٌ أيضاً

     نارٌ مِن فوقُ ونَارٌ مِن تحت

٢٧/١٠/٢٠٠١

Comments are disabled.