وخيرُ جليسٍ في الزمانِ كتابُ

من مجموعة قبور الشّهوة، عن دار الفارابي، 2014

من مجموعة قبور الشّهوة، عن دار الفارابي، 2014

                                                        

                                                  

       أتعلمينَ أنَّ اللّيلَ أثيمٌ جدّاً كحَنينِ الأقويَاءِ وأشواقِ الظالِميْن؟

أللّيلُ أثيمٌ جدّاً كحُبٍّ يُفتّشُ عن حُفَرِ الكِبريَاءِ ليَتبعثرَ فيها، وكالشّمس التي خنقتْ نفسَها عندَما رأتْ نارَ أحشائي المُتقدة

     …يُحبُّني اللّيل

يُحبُّني حتى أنّهُ يجُرُّ رُؤايَ فوقَ حَصَى الطّبيعيّاتِ الصّامِتِ / المُفحِم

يُحبُّني كرَقصِ الماءِ على وَرَقاتٍ مَذعورَة. كبائِعَةِ هوَىً أغرمَتْ بجَسَدِها حتى ذبَحَتْ وريدَها

    يُحبُّني اللّيل.. نعَم.. ولكنّي لاأثقُ به

لقد رسَمتُ على أقراصِ ضَميرِهِ ظِلالاً وخطوطاً، فإذا بها هياكلُ رَمَادٍ ورمالٍ منتصبةٌ على المفارقِ وفي السَّاحات. وهمَستُ لحناً كئيباً في أمسِيَةٍ ماطِرةٍ، فخطفتْ أجنِحَةُ الرِّيحِ نغمَاتي إلى التخوم

   لا! لا أريدُ أن أحبَّكِ في اللّيل. أخافُ عليكِ منَ اللّيل

اللّيلُ جَبَروتٌ خجُولٌ كَمِرآةِ روحي وقيثارةِ مَخفيَّاتي

سَأبوحُ لكِ عندَ الشُّروق.. فأشِعَّةُ الصَّباحِ صُندوقةُ أشيائِي

   لا أريدُ أن أحبَّكِ في اللّيل، سأقفُ مُنتظِراً عندَ مُنعَطفِ المَواقيتِ، وسأراكِ سكوناً من الضّجيج، وسَتعرفينني توهُّجاً فوقَ التراب

     لا زلتِ كوباً صغيراً… وأنا وجودي كثيفٌ حبكتْهُ أصابعُ غليظةٌ وزيّنتهُ خواطرُ حديديَّةٌ، وسَمَّرتْهُ حِكمةٌ جبّارة عجوز

!إرفعي الحِجابَ القرمزيَّ المَهيب، مَزِّقيه، وانظري وراءَهُ.. هناكْ.. على الأدراجِ ما تزالُ آثارُ ظلالِ كأسٍ زُجاجيٍّ صغير

أحِبُّ أن تمتدِّي لا أن تنفجري! تستطيعينَ الامتِداد. عَاجزٌ أنا عنِ التقلُّصِ. وكم سيَكونُ اللّيلُ قاسِياً إلى أن تتوَحَّدَ الأجزاءُ وتنضُجَ المَشَاهد

أتعلمينَ؟ أنتِ وأنا واللّيلُ ثالوْثٌ غريب. نتشابَهُ! نتواعَدُ! نتصَارَعُ ونتعَاشَقُ، هكذا ضلوعُ المُثلَّثِ مُتبَاعِدةٌ مُتلاصِقة

     أنا أحبَبْتُكِ… وكانَ الحُبُّ لكِ حُبَّ الصُّورةِ للجَوهَر، وعندما أبغضتُكِ.. كانَ البُغضُ بُغضَ الجَوهرِ للصُّورة. أحبَبتُكِ حُبَّ الحروفِ إلى المَعاني، وأبغضتُكِ بُغضَ المَعاني للحُروف. أحبَبتُكِ حُبَّ القوافي للشِّعر، وأبغضتُكِ بُغضَ الشِّعرِ للقوافي. لذلكَ، لا أريدُ أن أحبَّكِ في اللّيل، سأقفُ مُنتظراً عندَ مُنعطَفِ المَوَاقيتِ، وسأراكِ هُدوءاً منَ الضَّّجيجِ، وتبصِرينَني توَهُّجاً فوقَ التراب

   ،أجل

سَأبوحُ لكِ عندَ الشّروق… فأشِعَّةُ الصَّباحِ صُندوقةُ أشيائي 

                                                       ٢٣/١٠/٢٠٠٢

Comments are disabled.