من مجموعة قبور الشّهوة، عن دار الفارابي، 2014
!لقد عرفتُهُم
أنا رأيتُهم يَجرّون أسماءَهم بحبالٍ رثةٍ مُهترئة، ويَبحثون عن اللّحمِ والعِظامِ في الأقبيةِ المَخفيّةِ المَوَات
…عَرَفتهُم ضيَّعوا قطراتٍ نادِرةً تبعثرَت على الأرصفةِ المُتّسِخة، ولبسوا الظّلالَ في اللّيالي الكثيفةِ الثقيلة
لهُم فوقَ السّرابِ رؤىً مُذهّبة مُزركشة وعلى الجُلودِ البَهيميّةِ حروفٌ من الزمرّدِ والياقوتْ
.هكذا الشّارعُ في مدينتي
أراهُم كلّ يومٍ يقصِفونَ باكين، ويُدهَشون هاربين إلى الماضي / المستقبلِ.. إلى الأروقةِ العتيقةِ الخاويةِ ليشربوا جُرعةً من الزمان، فيظنّونَ أنهم سكارَى وهُم كاذبون حتى عندما يتثاءَبون ويتنفسّون
.هكذا الشّارعُ في مدينتي
…يمُرّون بي – فِيَّ – يخترقون الهُيولى ولا يبصرون
أحادثهُم وأنادي، فتمتصّ كلماتي وأوجاعي قطعةٌ من الإسفنجِ خُبّأت مع النقودِ لمَسحِ الغبارِعنِ الأشياء. أبكي فتمسحُ دَمَعاتي أنسامُ الفجر. وتُحرقُ عَينيّ رَقصَاتُ الغروبِ المَجنونة. أضحكُ فتكتئبُ ليَ الشواطئُ والصّخور، وتسخرُ الأمواجُ المريضةُ في عُمقِ البحر
أبغِي وأرجو وأتمنّى… فينتصِبُ السيّافُ المَجهولُ أمامي وفي قبضتِهِ لمعَةُ شَهوةٍ نجسَةٍ لِذَبحِ الأجنِحةِ الطّفوليّةِ الساذجة. عندها تتحوّلُ الأطيافُ إلى ماءٍ قاتمٍ مُقدّس، ويموتُ الجَوهرُ ليُبعَثَ بعدَ حين
.هكذا الشّارعُ في مدينتي
الشّارع في مَدينتي يتمَدّدُ ويتقلّصُ، يتبَعثرُ ويتوَحّدُ، يتعَملق ويتقزّمُ، ينتفِخ ويضمُرعلى أنغامِ ضِحكاتِ الطِفلِ الّذي يلعبُ ويتعفّرُ فوقَ الرِمالِ الصّامتة، وينشُدُ الماهَويّةَ في دروبِ الاغترابِ الخادعة
الشّارعُ يتطوّرُ حتى وصَلَ إلى ما قبلَ التّاريخ.. لهذا يَجهلُني أنا المقيّدَ بسلاسلِ الرّجعيّةِ المُتحضّرة، ألَمْلِمُ هزيمتي وغُربَتي، وأعيشُ تفلسفاً في فراغِ العقلِ، ووجوداً في فراغِ الوهم
الشّارعُ في مدينتي مَراكبُ تتوَحّلُ مدفوعةً نحوَ الضّوءِ المُكتظِّ بقطعانِ الوَحدةِ والدَّهشةِ.. مشيْتُ وحدي – فريقاً – يَحفرُ لنفسهِ نُقراً في ترابِ الأخيِلةِ والشكوك. ينكَسِرُ التوهّجُ الدّاخليّ ويتمَطّى فاتِحاً جُرحاً ربَطتهُ إبرةُ الأيّامِ، كالعادة
جُرحيَ تافهٌ حتى تشامَخَ على الطّبِّ الحَديث! ووجَعي صَامِتٌ حتى أنّ الأزهارَ المُراهقةَ شَعرَتْ به. لماذا أنا أنا؟ ألا يُمكنُ أن…؟ والّلا ينتشِلُني منَ الآنِ والأنانيّة؟ ألا يُمكنُ أن أعرفَ؟ قلْ لي وأرِحني واسجُنّي في قفصِ الوضوحِ فقد وجدْتُ لقلبي هناكَ مؤنساً لا يخون
٢ حزيران ٢٠٠١